نشر في مجلة البيادر السياسي
العدد 976 29 آب 2009
اعتبرت اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية
ذراً للرماد في العيون
الشاعرة إلهام أبو ظاهر تدعو في حديثها
لـ"البيادر السياسي" إلى العمل على تحرير القدس التي تذبح وتنتهك
مقدساتها بدلاً من الشعارات
* من يخاف لا يعيش
ولا مجال للخوف مع القلم.
* قيود
المجتمع لم تكن أكثر من قيود العشيرة التي انطلقت من خلالها.
* حب الوطن
والشهادة والأرض في أساسه قصة عشق.
غزة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ حاورها/ محمد المدهون.
كتبت للوطن والشهيد
أروع الكلمات التي حفرت في ذاكرة أبناء شعبها.. نشأت في وسط عائلة بدوية مثقفة،
تحدت الصعاب إلى أن وصلت إلى مبتغاها.. ترى أن الشاعر يجب ألا ينحني أمام الصعاب،
وأن عليه أن يواصل رسالته ويؤدي أمانته.. انتقدت الكثير من الشعراء الذين وصفتهم
بالمنافقين، محملة إياهم المسؤولية عن ما ألم بالحركة الأدبية الفلسطينية من تراجع
كبير.. طالبتهم بنهضة وصرخة ووقفة جادة بحق أنفسهم وبحق مجتمعهم، وقالت لهم لا
تخافوا، فمن يخاف لا يعيش، ولا مجال للخوف مع القلم.
الشاعرة إلهام أبو
ظاهر تحدثت لـ"البيادر السياسي" بمرارة عما يجري من عمليات تهويد للقدس
وطمس لمعالمها العربية، وهدم منازلها وتشريد أبنائها، وأكدت أن تحرير القدس أهم من
رفع الشعارات البراقة، حيث رأت أن اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية في هذا
العام ما هو إلا ذراً للرماد في العيون.
فيما يلي نص
الحوار.
العشق والغزل
*عرفك الشارع
الغزي من خلال الكثير من الأغاني الوطنية التي كتبت كلماتها.. هل لك أن تحدثينا
حول مشوارك مع الشعر والمراحل التي مررت بها؟
- بدأت رحلتي مع
الشعر في سن مبكرة جداً، حيث كنت أكتب أشعاري وأخفيها، لكن كان لديّ إحساساً أنه
سيأتي اليوم الذي سأخرج فيه هذه الكتابات إلى النور، والغريب في الأمر أن كتاباتي
منذ الصغر كانت تضاهي كتاباتي في الكبر، وكانت على مستوى عال، وأثناء دراستي في
الثانوية العامة كنت أفرغ أشياء من كتاباتي، لكنني انقطعت عن الدراسة، ومن ثم
واصلت الدراسة الجامعية، حيث تأججت كل مواهبي في المرحلة الجامعية، ووجدت نفسي بين
الكتب والمكتبات، وهذا ساعدني على الانطلاق.
* لماذا الشعر دون
أجناس الأدب الأخرى ؟
- الشعر ولد لديّ
بالفطرة، وليس شيئاً مكتسباً وهو موهبة ولدت ونشأت مع نشأتي، حيث كنت أتحدث بكلمات
وأنا في صغري تثير استغراب الكثيرين، وكيف أنني في هذه السن المبكرة وأتحدث بهذه
الكلمات، حيث كان كلامي قريب إلى السجع.
* ما
هي أبرز أعمالك الشعرية ؟
- كانت لي قصائد
شعرية فازت في المراكز الأولى أثناء دراستي في الجامعة، وهي قصائد باللغة العربية
الفصحى، ولي قصائد في الغزل البدوي أعتز بها كثيراً لأنها تعتبر حالة يخجل الكثير
من الشعراء من التطرق إليها، وأنا أقول دوماً لماذا لا تكتب المرأة عن العشق والغزل،
فحب الوطن والشهادة والأرض في أساسه قصة عشق، كذلك لي كتابات وجدانية ووطنية
وسياسية كثيرة، حتى الأطفال كتبت لهم.
* هل
لهذه الكتابات مواقف معينة ؟
- نعم بالطبع.. أكثر
قصيدة تأثرت بها تلك التي كتبتها للشاعر الكبير محمود درويش التي واكبت وفاة والدي،
وكانت المناسبة مزدوجة، وخرجت للجمهور وألقيت القصيدة بعد يومان من وفاة والدي،
كذلك تأثرت بموضوع الانقسام، وكيف أن الإخوة يقفون أمام بعضهم البعض، ويواجهون
بعضهم، وهناك موضوع خطير هزني وكتبت عنه وهو جدار الفصل العنصري، وشبهته كأنه
عملية شق قلب رجل لنصفين.. فالشعر حالة وأي حدث مؤثر فإنه يؤثر فيك وفيّ، ولكن الاختلاف بيننا في طريقة
التعبير عن هذه الحالة وهذا الحدث.
* ما هي
آخر أعمالك الشعرية ؟
- آخر نص كتبته يتعلق
بموضوع القدس عاصمة الثقافة العربية يقول المقطع الأخير فيه" كذبة من صنع
العرب وخلي اللي يقول يقول.. كذبة ومن صنع العرب ذر الرماد في العيون.. ملعون أبوك
يا سجن، ألف يوم في جهل ولا ربع يوم مسجون"، كما كتب للقدس هذه الأبيات"
طفّوا رصاص القلم وأعطوها الورق ذبلان، سجلي هذا الاسم القدس بنت فلان، أنت عاصمة
القلم ولا تفكري بالسجان، بندعى عليه في القمم وبنحضنه في المنام، ولا تفكري تزوري
الشمس خلّي الكلام في همس العتمة تعمي العيون، وإيش يفيد النظر إن كان الجسد
مسجون.
* هل هذه رسالة
إلى العرب ؟
- نعم.. مستعدة أن
أبقى جاهلة ولكن حرروني، فألاهم هو تحرير القدس وليس رفع الشعارات.
اللهجة البدوية
* ما هي الألوان
الشعرية التي تجدين نفسك فيها ؟
- أكتب الشعر باللغة
العربية الفصحى، وكذلك باللهجة البدوية، كتبت الشعر المغنى، حيث كتبت أكثر من 170
قصيدة مغناه، عبارة عن أغاني وطنية للوطن، وكتبت كل شيء أقتنع به، ولم أكتب كلمة
واحدة دون قناعة، وكتبت أيضاً للشهداء من جميع الأحزاب.
* لماذا البدوية ؟
- لأنني فتاة بدوية
أحب الشعر باللهجة البدوية، وأتميز به.
* كونك فتاة
بدوية.. هل واجهتك صعاب أثناء رحلتك مع الشعر ؟ وهل تقبل المجتمع البدوي المحيط بك
ذلك ؟
- بصراحة.. لقد حفرت في الصخر حتى أشق طريقي، لكن
أود التأكيد هنا على أن المجتمع يحترم المرأة الشاعرة، ولا يتعامل معها كالمرأة
المغنية أو الراقصة على أنها خارجة عن الأخلاق، حيث برزت المرأة الشاعرة منذ
البدايات، وكان الناس يتعاملون مع المرأة الشاعرة باحترام، وكان لها دور في الحروب،
وخلدها التاريخ، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه من حظي أنني ولدت في عائلة مثقفة،
والدي كان مثقفاً ومتعلماً درس القانون، وأشقائي كذلك مثقفين ومتعلمين، لكن والدتي
كانت أمية، وبالرغم من ذلك كانت تحفظ من الشعر عن جدتي التي كانت تلقي الأهازيج
البدوية القديمة، فكنت ألتقط أشياءً منها وأبني عليها.
* كونك من أسرة
متعلمة.. هل هذا ساهم في شق طريقك بشكل أسرع ؟
- يمكن القول أن ذلك
ساهم وصعب في نفس الوقت، حيث دعم في فكرة عودتي
إلى الدراسة بعد انقطاع، وجميع أفراد أسرتي دعموا في هذا الاتجاه، وفي نفس الوقت
كانوا يعتبرونني ابنتهم المميزة.. كان لدينا في البداوة خوف من المدينة وتعقيداتها
التي تحتوي على السيئ والجيد، فكانت أسرتي تخشى عليّ ، واستمر هذا الخوف حتى سنة
أولى جامعة، حيث بدأ نجمي يسطع، وكان الناس يلاقون أشقائي في الشارع ويمدحون في
شعري وموهبتي، فهذا كان يدخل السرور إلى أشقائي رغم أنهم من المتشددين دينياً.
* وهل يتعارض
الشعر مع الدين ؟
- هناك فئات معينة في
غزة تحمل أفكاراً قد تتعارض مع الشعر وتعتبره يتعارض مع الدين، لكن بالرغم من ذلك
أعتبر نفسي أنجزت إنجازاً كبيراً وفرضت نفسي على جميع الاتجاهات، حيث يستمع لي رجل
الدين، والرجل الجامعي والرجل الأمي، وجميع الفئات، فهم جميعاً يستمعون إلى أشعاري
وهذا أعتبره إنجازاً كبيراً لي، وأود الإشارة هنا إلى أن حركات أصولية لا تتعامل
مع المرأة بالشكل المطلوب، إلا أنها تتصل بي وتطلب مني مشاركتها في فعالياتها.
* من أين اكتسبت
هذا الإقبال من الجميع ؟ وكيف حافظتي على جمهورك في ظل الانقسام ؟
- من كوني محافظة على
بداوتي واحترامي لذاتي بالشكل والمضمون، وفي بعض الأحيان أشارك في أمسية أكون أنا
المرأة الوحيدة فيها، حيث ألقي شعري ومن ثم أنسحب فوراً.
رسالة الشاعر
* هل تأثرت بلون
سياسي معين ؟
- بالتأكيد.
* هل انعكس ذلك
على أدائك وأشعارك؟
- بصراحة في بداية
الأمر كان اتجاهي السياسي يساري على مدار عشر سنوات، إلا أنني وصلت إلى مرحلة شعرت
فيها بالاختناق، وُطلب مني عدم المشاركة في أية فعاليات خارجة عن نطاق الفصيل الذي
كنت أنتمي إليه، وهنا أؤكد أن الشاعر إذا شعر بأنه اختنق ممكن أن يكسر القيود
ويغادر، وهذا ما حدث معي، وأعتقد أن تغيير الفكر وتطويره ليس نفاقاً، وإنما اعتبره
إنجازاً على المستوى الأدبي، حيث انتميت إلى فصيل آخر أعطاني كل شيء، وشاركت في
فعاليات أحزاب وفصائل منافسة لهذا الفصيل، لكنه أعطاني الثقة المطلقة ولم يمنعن من
المشاركة في هذه الفعاليات، ولم يقيد حريتي، حيث أشارك تحت مسمى شاعرة وطنية، وهذا
أعتبره إنجازاً.
* ما هي الرسالة
التي يحملها الشاعر الفلسطيني للمجتمع ؟
- الشاعر في حد ذاته
رسالة، ومن الممكن أن يوصل رسالته بحركة يده، وليس بالضرورة أن يوصلها عن طريق
أشعاره، حيث شاركت في الكثير من الأمسيات بمداخلات وليس بقصائد شعرية، وكنت أوصل
رسالتي في هذه المداخلات.. الشاعر هو نبض الشارع والحالة المتكاملة للشارع في كل
مكان وزمان، وبالتالي عندما يكون جمهوري من كل فئات المجتمع، فإن رسالتي تصل بشكل
أسرع.
* هل أنت مقتنعة
بما تكتبيه ؟
- بالتأكيد.. ولم
أندم يوماً ما على شيء كتبته، ولن أندم لأن نضجي الثقافي والأدبي يجعلني أفكر قبل
أي مشاركة، وأتخذ القرار الصحيح.
* هل وجدت دعماً
وتشجيعاً من أحد ساهم في نجاحك ؟
- أعتبر نفسي محظوظة وشاعرة مدللة، فمنذ اليوم الذي انطلقت فيه من المدينة التي شهدت انطلاقتي، كنت محاطة بأساتذة كبار لهم فضل كبير عليً، أمثال الدكتور خليل حسونة والدكتور فؤاد السلطان والدكتور عبد الجليل صرصور، فكل مرحلة كنت أنتقل لها كانوا يعطوني دفعة أكبر إلى الأمام، وهذا من حسن حظي، وفي كل مشاركة أشعر نفسي أنني أتألق بشكل أكبر من ذي قبل.
تكبيل الحريات
* هل ساهم الانقسام
في الحد من أدائك ؟ وهل تكبيل حرية الرأي ساهمت في تراجع الشعراء عن دورهم ؟
- الشاعر الذي تتكبل
حرية رأيه أعتبره شاعر فاشل، فالبرغم مما حدث، إلا أنني خرجت على وسائل الإعلام
والفضائيات وقلت رأيي بصراحة ودون خوف من أحد، ومازلت أشارك في الإذاعات والفضائيات
بشكل مباشر وأقول رأيي بحرية ودون خوف من أحد، وأتحدث في المهرجانات التي تكون
مراقبة من الجميع ولم أخف .
* نلاحظ تراجعاً
كبيراً في الحركة الأدبية في ظل الانقسام.. من يتحمل مسؤولية هذا التراجع ؟
- الكتاب والشعراء هم
الذين يتحملون مسؤولية ذلك التراجع.. أنت كصحفي في حال تم اعتقالك ومطالبتك بعدم
الكتابة، هل معني ذلك أن تسكت ؟.. وهنا أود الإشارة إلى شعراء النكبة الذين كانوا
يكتبون في ظل ظروف صعبة، وما قبل النكبة في فترة الانتداب الإنجليزي كتبوا في ظروف
صعبة أيضاً، وما تلاها من نكبات ونكسات كانت أياماً صعبة، إلا أنهم كتبوا فيها،
وهناك شعراء فقدوا حياتهم من أجل الكلمة.. الكبت موجود منذ أن خلق الإنسان للأديب
والشاعر ولكل إنسان، لكن هل شخصيتي تقبل هذا الشيء؟ هنا الأساس.. إذا ما تحدثت عن
نفسي، أرى أنني كلما وجدت نفسي مقيدة أنطلق بشكل أكثر، فلديّ تمرد وصراع داخلي ارفض
القيود.. قيود المجتمع وحرية الإعلام لم تكن أكثر من قيود العشيرة التي انطلقت من
خلالها.
* كيف تناول
الشاعر الفلسطيني ما حدث من انقسام ؟
- الشعر حالة.. أرى
أن هناك تقصير، وأن هناك شعراء مع الأسف كانوا منافقين، ومنهم من مسك العصا من
النصف، ولم يعالجوا الواقع، وذهبوا يكتبون عن الوحدة الوطنية لتجنب أنفسهم أي
مساءلات أو مشاكل قد يتعرضوا لها نتيجة كتاباتهم.. أرى أنه كان من المفترض أن
يتناول الشاعر الفلسطيني الواقع بحقيقته، وأن يقول من الذي أخطأ بغض النظر عن
انتمائه، حتى وإن كان الحزب أو الفصيل الذي ينتمي إليه، فهذا هو دوره.
* ما هو المطلوب
من الكتاب والشعراء في هذه المرحلة ؟
- نهضة.. صرخة.. وقفة
جادة بحق أنفسهم وبحق المجتمع.
* هل من كلمة
توجهينها لهم ؟
- أقول لهم لا تخافوا، فمن يخاف لا يعيش، ولا مجال
للخوف مع القلم.
ذر الرماد في العيون
* القدس عاصمة
الثقافة العربية.. ماذا يعني لك هذا الشعار ؟
- لي وجهة نظر في هذا الموضوع.. لو كنت مسجونة
وأقضي حكماً بالسجن المؤبد فلا أعتقد أنني سأفيد نفسي وأفيد المجتمع.. أرى أنه لا
يفيدنا أن تكون القدس عاصمة الثقافة العربية في الوقت الذي تهود فيه القدس وتنتهك
مقدساتها وتهدم بيوتها، ويشرد أهلها، وتغيير أسماء أحيائها.. أعتقد أن اختيار
القدس عاصمة للثقافة العربية لهذا العام هو لذر الرماد في العيون، القدس هي عاصمة
للثقافة وللأدباء منذ القدم دون أن يطلق
عليها هذا الاسم.. يجب علينا التفكير في كيفية تحرير القدس وحل مشاكلها وأن نقف
وقفة جادة مع القدس، ومن ثم ننطلق في موضوع الثقافة.. أؤكد أن اختيار القدس عاصمة
للثقافة العربية ما هو إلا ذر للرماد في العيون، وتم اختيار ذلك في وقت تذبح فيه
القدس من الوريد إلى الوريد.
* كيف يمكن نصرة
القدس من وجهة نظرك ؟
- أن نخرج من هذه البوتقة
وننظر بخطورة لما يجري على أرض القدس من تهويد وتغيير لمعالمها العربية.. أحياء
كاملة تزال والهوية العربية يجري طمسها، يجب علينا أن نقف وقفة جادة مع القدس وأن
نرفع شعاراً واحداً لنصرة القدس وليس شعاران.. واحد في غزة والآخر في الضفة..
للأسف الكل يسعى إلى تحقيق أهداف سياسية على حساب القضية الأساسية.
* هل هذا يسيء
للقدس؟
- نعم .. هذا يسيء لكل من قال أنا فلسطيني وعربي وليس للقدس فحسب.
نشر في مجلة البيادر السياسي
العدد 976 29 آب 2009