يُعد أسلوب الصراخ والصوت المرتفع في التعامل مع الطفل لكي يسمع كلام الكبار أو يكف عن المشاغبة من الطرق التربوية القديمة وغير المجدية والتي لا تؤدي لنتائج مفيدة في تربية الطفل،
بل على العكس فهي تؤدي لآثار سلبية حتى على الطفل الرضيع والذي حين تصرخ الأم في وجهه نتيجة لتعبها وشعورها بالإرهاق؛ ظناً منها أنه لا يفهم، ولكن ذلك يؤدي لأضرار ليست نفسيةً فقط عليه ولكن أيضاً أضراراً صحيةً بالغة.
يجب على الأمهات أن يتوقفن عن أسلوب الصراخ، خاصة وجهاً لوجه مع الطفل، بحيث تُقرِّب الأم وجهها من وجه طفلها وتصرخ في وجهه مع تعبيرات جسدها الغاضبة، لما لذلك من نتائج سيئة على الطفل، ولذلك فقد التقت "سيدتي وطفلك" وفي حديث خاص بها بالدكتور محمد أبوداوود استشاري طب الأطفال، حيث أشار إلى كيف يؤثر صراخك المستمر في وجه طفلك على مستوى الهرمونات في جسمه وأضرار ذلك الصحية والنفسية والعقلية عليه وطرق بديلة للصراخ في الآتي:
الصراخ في وجه الطفل يؤدي لاضطراب هرموناته
توقعي أن يُصاب طفلك الصغير حين تصرخين في وجهه باضطراب في الهرمونات، وخاصة اضطراباً في مستوى هرمونين مهمين في جسمه وهما هرموني الكورتيزول والأدرينالين وهذان الهرمونان من الهرمونات التي تساعد على ضبط الانفعالات في جسم الإنسان، وفي حال حدوث أي خلل فيهما فيحدث تأثيراً كبيراً على وظائف الجسم الحيوية، وبالتدريج يُصاب الإنسان بأمراض مزمنة يصعُب علاجها.
لاحظي أن طفلك الذي يتم شحنه بشحنات من هرموني الكورتيزول والأدرينالين طيلة اليوم نتيجة لصراخك عليه وعلى شكل دفعات أو عدة مرات ولأسباب تافهة أو في محاولة منك لكي يتوقف عن الشغب، مثلاً فهو يتعرض للتوتر والقلق وصعوبة النوم والأرق ويُصاب الطفل بصعوبة الدخول في النوم العميق، مما يؤثر على هرمون النمو في جسمه، وبالتالي سوف تلاحظين أن طفلك لديه بطء وتأخر في النمو مقارنة باقرانه الآخرين.
توقعي أن يُصاب الطفل بضيق التنفس وارتفاع ضربات القلب بسبب ارتفاع مستوى هرمونات التوتر في جسمه، وبالتالي فهو يكون معرضاً للخطر، وهناك الكثير من الحالات المسجلة الذين ناموا ولم يستيقظوا بسبب نومهم وهم يشعرون بالخوف من الكبار ومن الصراخ الذي تعرضوا له، بحيث رفع مستوى هذه الهرمونات لديهم.
الصراخ في وجه الطفل يؤدي إلى إصابته بمشاكل نفسية عديدة
توقفي عن الصراخ في وجه طفلك لأن الدراسات العلمية قد أثبتت أن الطفل الذي ينشأ في بيت يُمارس فيه الصراخ في وجهه ولأتفه سبب فهو يتعرض حين يكبر لأعراض الاكتئاب التي قد تتطور معه لاحقاً وسوف تؤثر على مستواه التعليمي وعلى انخراطه في المجتمع بالتدريج، وبالنسبة للاكتئاب كمرض نفسي فهو مرض خطير يجب عدم الاستهانة به أو الاعتقاد بأنه نوع من دلال الطفل على والديه، لأن الاكتئاب في الصغر يؤثر تأثيراً كبيراً على الطفل حين يصبح إنساناً بالغاً.
امتنعي عن الصراخ في وجه طفلك لأن الطفل الذي يتعرض للصراخ باستمرار ولأتفه سبب سوف يكون عدوانياً مع الآخرين حين يكبر، كما أنه سوف يعاني من الخجل والانطواء وصعوبة الانخراط بالمجتمع والتقوقع، وشعوره بأنه شخصية مهملة ومهتزة، كما أنه يكون عصبياً واندفاعياً، ومن الصعب أن يَمسك أعصابه أو يتحكم في تصرفاته.
الصراخ في وجه الطفل يؤدي إلى أمراض جسدية مبهمة
توقعي أن يشكو طفلك وبشكل مستمر من أمراض جسدية مبهمة وليس لها أي أسباب ترتبط بخلل عضوي أو تشريحي في جسمه، وسوف تقومين بإجراء فحوصات وتحاليل كثيرة دون الوصول إلى نتيجة وهذه الآلام التي تُصيب طفلك سببها أنك تصرخين في وجهه باستمرار وحين تضعين وجهك في وجهه وتبدئين برفع صوتك فأنت تشحينين الطفل بطاقة سلبية كبيرة وعلى شكل دفعات طيلة النهار تؤذي جسمه الصغير بشكل ملحوظ.
لاحظي أن الطفل الذي يتعرَّض للصراخ في وجهه يتأثر صحياً ويبدأ بالشكوى من آلام العظام والمفاصل، وبأن هذه الآلام ليس لها أي سبب صحي، ولكن الحقيقة أنها تؤلمه بشدة، كما يُعاني الطفل من آلام ومشاكل في الرقبة والظهر، إضافة لظهور مشاكل في الرأس مثل إصابته بالصداع المزمن وغيرها من الأعراض الصحية التي تُحير الأطباء ويكون سببها نفسياً في الأساس.
أسباب صراخ الأم في وجه طفلها تعتقد الأم أن الصراخ في وجه طفلها هو وسيلة للتفريغ النفسي لما تتعرض له من مشاكل حياتية يومية ومن مسؤوليات، خاصة في حال كانت أماً عاملةً أو في حال انفصال الوالدين وتحمل الأم مسؤولية رعاية الأبناء.
يتسبب اعتقاد الأم بأن الصراخ ورفع الصوت هو وسيلة ناجحة لتربية الطفل وعقابه، بحيث يتوقف عن القيام بالتصرفات والسلوكيات التي لا يُفيد نهيه عنها، فتلجأ إلى الصراخ والنتيجة أن الطفل يتعود على صراخها ولا يتوقف عنها.
يتسبب عدم تفهُّم الأم لشخصية طفلها وعدم معرفتها لمراحل نموه وتتطوره الجسدي والنفسي والعقلي إلى استخدامها لأسلوب الصراخ ورفع الصوت للتعامل معه، فهي في سن الرضاعة مثلا لا تعرف أن بكاء الطفل له عدة أسباب وكل طريقة في البكاء يجب أن تعرف سببها، ولذلك فهي تلجأ إلى الصراخ ولا تستخدم وسيلة أخرى للتعامل مع الطفل وهكذا.
طرق ونصائح بديلة للصراخ على الطفل
اهتمي بأن تكوني قدوةً لطفلك، فعندما تضبطين أعصابك وتُخفضين من صوتك أثناء تعاملك مع الآخرين، سواء زوجك أو أطفالك أو المحيطين بك فسوف يكون طفلك مثلك ولن يقوم بتصرفات استفزازية، وسوف يستمد الهدوء والانضباط النفسي منك كأم يراها قدوته ونموذجه الأول في الحياة.
توقفي عن إسقاط وسحب ما تتعرضين له من ضغوط نفسية واجتماعية على طفلك لأنه كائن صغير وبريء ولا يستحق أن يكون مخزناً لتفريغ ما تتعرضين من ضغوطات، كما أنه بحاجة لكي ينشأ في بيئة صحية سليمة وليس له ذنب بما يدور حوله من مشاكل وعليك أن توفري له هذه البيئة وتبعديه عما يحرمه من الاستمتاع بطفولته.
تجنبي تماماً استخدام اسلوب العقاب كوسيلة لتأديب الطفل، لأن الضرب وسيلة فاشلة، وكذلك أي عقاب غير تربوي فيجب أن تعرفي كيف تعاقبين طفلك بطريقة صحيحة حسب عمره؟ فهناك أمهات يستخدمن طرقاً خاطئة مثل القيام بشتم الطفل أو حرمانه من الخروج وحبسه، وعليك أن تشرحي له أسباب غضبك بشكل لائق وبكل هدوء ولا تتوقفي عن توفير جلسات صفاء بينك وبينه، بحيث تساعدينه على التفريغ النفسي معك، وبحيث تكونين صديقته الأولى التي يبوح لها بكل ما يشغله.
ابتعدي عن ازدواجية القرارات والانفعالات فلا تعاقبي طفلك وتصرخي في وجهه على خطأ ما ثم تقومين بتجاهل التعليق على نفس الخطأ في اليوم التالي، ففي هذه الحالة لا يعرف الطفل الفرق بين الخطأ والصواب، وعليك أن تُنبهي طفلك للخطأ بمجرد أن يرتكبه ولكن لا تتصيدي له الأخطاء فهو ليس ملاكاً وأنت لست مصفاة تقوم بتصفية أخطاء الآخرين، لأن الجميع يكون معرضاً للخطأ والمهم هو عدم تكراره.
علمي طفلك ثقافة الاعتذار حين يخطئ لكي لا تضطري للصراخ عليه طيلة الوقت، كما يجب أن تعتذري له حين تصرخين في وجهه بلا داعي وبسبب ما تشعرين به من ضغوط ومن مسؤوليات فلا يمكن أن تحولي طفلك إلى مكب ووعاء لتفريغ لمشاعرك السلبية، بل على العكس من ذلك تماماً يجب أن تُبعديه عن كل مشاكلك وتقدري أنه يعيش أجمل أيام حياته.
حاولي أن تبرزي حبك لطفلك بكل الطرق، لأن غمر الطفل بالحب والحنان يقوي شخصيته ويُعزز ثقته بنفسه ويزيد من إحساسه بكرامته وينشأ الطفل بشخصية قوية غير مهزوزة ولديه أحلامه وطموحاته، لأنه يجد نفسه في بيئة حاضنة ودافعة.
اعتذري لطفلك في حال قيامك بالصراخ عليه واشرحي له دوافع ذلك وأقطعي على نفسك عهداً ووعداً أمامه بألا تكرري هذا الفعل، لأن الطفل حين يراك مستاءة من صراخك عليه سوف يخجل من أن يغضبك ثانية وسوف يتوقف عن الأفعال السيئة التي تُثير غضبك فهو حريص على رضاك في المقام الأول، لأنك بالنسبة له كل عالمه ويهمه أن يراكِ سعيدةً.